فصل: باب بيان وقت الذبح

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب ما يجتنبه في العشر من أراد التضحية

1 - عن أم سلمة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظافره‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏ ولفظ أبي داود وهو لمسلم والنسائي أيضا ‏(‏من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره وأظافره حتى يضحي‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذبح‏)‏ بكسر الذال أي حيوان يريد ذبحه فهو فعل بمعنى مفعول كحمل بمعنى محمول ومنه قوله تعالى ‏{‏وفديناه بذبح عظيم‏}‏ الحديث استدل به على مشروعية ترك أخذ الشعر والأظافر بعد دخول عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي‏.‏

وقد اختلف العلماء في ذلك فذهب سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد وإسحاق وداود وبعض أصحاب الشافعي إلى أنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية وقال الشافعي وأصحابه هو مكروه كراهة تنزيه وليس بحرام وحكى الإمام المهدي في البحر عن الإمام يحيى والهادوية والشافعي إن ترك الحلق والتقصير لمن أراد التضحية لمن أراد التضحية مستحب‏.‏ وقال أبو حنيفة لا يكره والحديث يرد عليه‏.‏ وقال مالك في رواية لا يكره وفي رواية يكره وفي رواية يحرم في التطوع دون الواجب‏.‏

وأحتج من قال بالتحريم بحديث الباب لأن النهي ظاهر في ذلك واحتج الشافعي بحديث عائشة المتقدم ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يبعث بهديه ولا يحرم عليه شيء أحله اللّه له حتى ينحر هديه‏)‏ فجعل هذا الحديث مقتضيا لحمل حديث الباب على كراهة التنزيه ولا يخفى أن حديث الباب أخص منه مطلقا فيبنى العام على الخاص ويكون الظاهر مع من قال بالتحريم ولكن على من أراد التضحية قال أصحاب الشافعي والمراد بالنهي عن أخذ الظفر والشعر النهي عن إزالة الظفر بقلم أو كسر أو غيره والمنع من إزالة الشعر بحلق أو تقصير أو نتف أو إحراق أو أخذه بنورة أو غير ذلك من شعور بدنه‏.‏ قال إبراهيم المروزي وغيره من أصحاب الشافعي حكم أجزاء البدن كلها حكم الشعر والظفر ودليله ما ثبت في رواية لمسلم ‏(‏فلا يمسن من شعره وبشره شيئا) والحكمة في النهي أن يبقى كامل الأجزاء للعتق من النار‏.‏ وقيل للتشبه بالمحرم حكي هذين الوجهين النووي وحكي عن أصحاب الشافعي أن الوجه الثاني غلط لأنه لا يعتزر النساء ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم‏.‏

 باب السن الذي يجزئ في الأضحية وما لا يجزئ

1 - عن جابر قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا تذبحوا الأمسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي‏.‏

2 - وعن البراء بن عازب قال ‏(‏ضحى خال لي يقال له أبو بردة قبل الصلاة فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم شاتك شاة لحم فقال يا رسول اللّه إن عندي داجنا جذعة من المعز قال إذبحها ولا تصلح لغيرك ثم قال من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله ‏(‏المسنة‏)‏ قال العلماء المسنة هي الثنية من كل شيء من الأبل والبقر و الغنم فما فوقها وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع ولا يجزئ إلا إذا عسر على المضحى وجودالمسنة‏.‏ الجذع من الضأن ولا من غير

مطلقا‏.‏ قال النووي و مذهب العلماء كافة إنه لا يجزئ سواء وجد غيره أم لا وحملوا هذا الحديث على الاستحباب والأفضل وتقديره يستحب لكم أن لا تذبحوا الأمسنة فأن عجزتم فجذعه ضأن وليس فيه تصريح بمنع جذعة الضأن وأنها لا تجزئ بحال وقد أجمعت الأمة على أنه ليس على ظاهره لأن الجمهور يجوزون الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه وابن عمر والزهري يمنعانه مع وجود غيره وعدمه فيتعين تأويل الحديث على ما ذكرنا من الاستحباب كذا قال النووي ولا يخفي أن قوله‏:‏ ‏(‏لاتذبحوا‏)‏ نهى عن التضحية بما عدا المسنة مما دونها وذبح الجذعة مقيد بتعسر المسنة فلا يجزئ مع عدمه ولا بد من مقتض للتأويل المذكور وحديث أبي هريرة وما بعده من الأحاديث المذكورة في هذا الباب تصلح لجعلها قرينة مقتضية للتأويل فيتعين المصير إليه لذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جذعة من الضأن‏)‏ الجذع من الضأن ماله سنة تامة هذا الأشهر عن أهل اللغة وجمهور أهل العلم من غيرهم‏.‏

وقيل ماله ستة أشهر‏.‏ وقيل سبعة‏.‏ وقيل ثمانية‏.‏ وقيل عشرة‏.‏ وقيل أن كان متولدا بين شاتين فستة أشهر وأن كان بين هرمين فثمانية قوله‏:‏ ‏(‏شاتك شاة لحم)‏ أي ليست اضحية ولا ثواب فيها بل هو لحم لك تنتفع به قوله‏:‏‏ (‏أن عندي داجنا‏)‏ الخ الداجن ما يعلف في البيت من الغنم والمعز ‏.‏ وفي رواية لمسلم ‏(‏أن عندي جذعا‏(‏وفيه دليل على ان الجذعة المعز لا تجزئ في الأضحية قال النووي وهذا متفق عليه قوله: ‏(‏من ذبح قبل الصلاة)‏ ‏يأتي شرح هذا أن شاء اللّه في باب بيان وقت الذبح‏.‏

3 - وعن أبي هريرة قال ‏(‏سمعت رسول الللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول ‏(‏نعم أو نعمت الأضحية الجذع من الضأن ‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي ‏.‏

4 - عن أم بلال بنت هلال عن أبيها ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال يجوز الجذع من الضأن الضحية‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه ‏.‏

5 - وعن مجاشع بن سليم ‏(أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يقال أن الجذع يوفي مما توفي منه الثنية‏)

رواه أبو داود وابت ماجه ‏.‏

6 - وعن عقبة بن عامر ‏(‏قال ضحينا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالجذع من الضأن‏)‏

رواه النسائي ‏.‏

7 - وعن عقبة بن عامر قال قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بين أصحابه ضحايا فصارت لعقبة جذعة فقلت يا رسول اللّه أصابني جذع فقال ضح به ‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وفي رواية للجماعة إلا أبا داود ‏(‏أن النبي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أعطاه غنما يقسمها على صحابته ضحايا فبقي عتود فذكره للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال ضح به أنت‏)‏ قلت العتود من ولد المعز مارعى وقوى وأتى عليه حول‏.‏

حديث أبو هريرة رواه الترمذي من طريق يوسف بن عيسى عن وكيع عن عثمان بن واقد بن كدمان بن عبد الرحمن بن كبا ش قال ‏(‏جلبت غنما جذعانا الى المدينة فكسدت علي فلقيت أبا هريرة فسألته فقال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ الحديث‏.‏

وقال غريب وقد روى موقوفا وذكره الحافظ في التلخيص ولم يزد علي هذا ويشهد له حديث عبادة بن الصامت عند أبي داود وابن ماجه والحاكم والبيهقي مرفرعا بلفظ ‏(‏خير الصحية الكبش الأقرن‏)‏ وأخرجه أيضا الترمذي وزاد ‏(‏وخير الكفن الحلة‏)‏ وأخرجه بنحو اللفظ الأول أيضا ابن ماجه والبيهقي من حديث أبي أمامة وفي إسناده عفير بن معدان وهو ضعيف، قال الترمذي ـ وفي الباب ـ عن أم بلال بنت هلال عن أبيها وجابر وعقبة بن عامر ورجل من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم انتهى‏.‏ وحديث أم بلال أخرجه أيضا ابن جربر الطبري والبيهقي وأشار إاليه الترمذي كما سلف ورجال إسناده كلهم بعضهم ثقة وبعضهم صدوق وبعضهم مقبول‏.‏ وحديث مجاشع بن سليم في إسناده عاصم بن كليب قال ابن المديني لا يحتج به إذا انفرد‏.‏

وقال الإمام أحمد لا بأس به وقال أبو حاتم الرازي صالح وأخرج له مسلم‏.‏ وحديث عقبة الأول أخرجه أيضا ابن وذكره الحافط في التلخيص وسكت ورجاله إسناده ثقات‏.‏

قوله‏:‏‏ (‏نعمت الاضحية الجذع من الضأن‏)‏ فيه الدليل على ان التضحية بالضأن أفضل وبه قال مالك وعلل ذلك بأنها أطيب لحما‏.‏

وذهب الجمهور إلى أفضل الانواع للمنفرد البدنة ثم البقرة ثم الضأن ثم المعز واحتجوا بأن البدنة تجزئ عن سبعة أو عشرة على الخلاف والبقرة تجزئ عن سبعة‏.‏ وأما الشاة فلا تجزئ إلا واحد بالاتفاق وما كان يجزئ عن الجماعة إذا ضحى به الواحد كان ما يجزئ عن الواحد فقط هكذا حكى النووي الاتفاق على أن الشاى لا تجزئ إلا عن واحد وحكى المهدي في البحر عن الهادي والقاسم أنها تجزئ عن ثلاثة واحتج لهما بتضحيته صلى اللّه عليه وآله وسلم بالشاة عن محمد وآل محمد وأورد عليه أنه يلزم أن تجزئ عن أكثر من ثلاثة وأجاب بأنه منع من ذلك الإجماع وحكى الترمذي في سننه عن بعض أهل العلم أنها تجزئ الشاة عن أهل البيت وقال وهو قول أحمد وإسحاق واختلف أصحاب مالك فيما بعد الغنم فقبل الإبل أفضل وقيل البقر وهو الأشهر عندهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوفى‏) الخ أي يجزئ كما تجزئ الثنية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عتود‏) بفتح المهملة وضم الفوقية وسكون الواو وقد فسره أهل اللغة بما فسره به المصنف كما نقله النووي عنهم‏.‏ قال الجوهري وخيره ما بلغ سنة وجمعه أعتدة وعتدان بادغام التاء في الدال‏.‏ قال البيهقي وغيره من أصحاب الشافعي وغيرهم كانت هذه رخصة لعقبة ابن عامر كما كان مثلها رخصة لأبي بردة بن نيار في الحديث المتقدم ثم روى ذلك بإسناده صحيح عن عقبة قال ‏(‏أعطاني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم غنما أقسمها ضحايا بين أصحابي فبقى عتود منها فقال ضح بها أنت ولا رخصة لأحد فيها بعدك‏) قال وعلى هذا يحمل أيضا ما رويناه عن زيد بن خالد قال ‏(‏قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في أصحابه غنما فأعطاني عتودا جذعا فقال ضح به فضحيت به)‏ ‏وقد أخرج هذا الحديث أيضا أبو داود بإسناد حسن وليس فيه من المعز ذهب الجمهور‏.‏ وعن عطاء والأوزاعي تجوز مطلقا وهو وجه لبعض الشافعية حكاه الرافعي‏.‏ وقال النووي هو شاذ أو غلط وأغرب عياض فحكى الاجماع على عدم الأجزاء‏.‏ وأحاديث الباب تدل على أنها تجوز التضحية بالجذع من الضأن كما ذهب إليه الجمهور فيرد بها على ابن عمرو الزهري حيث قالا أنه لا يجزئ وقد تقدم الكلام في ذلك‏.‏

 باب مالا يضحى به لعيبه وما يكره ويستحب

1 - عن علي عليه السلام قال ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يضحي باعضب القري والأذن قال قتادة فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال العضب النصف فأكثر من ذلك‏)‏‏.‏

رواه الخمسة وصححه الترمذي لكن ابن ماجه لم يذكر قول قتادة إلى آخره‏.‏

2 - وعن البراء بن عازب قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أربع لا تجوز في الأضاحي العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ضلعها والكسير التي لا تبقي‏)‏‏.‏

رواه الخمسة وصححه الترمذي‏.‏

3 - وروى يزيد ذو مصر قال ‏(‏أتيت عتبة بن عبد السلمي فقلت يا أبا الوليد أني خرجت التمس الضحايا فلم أجد شيئا يعجبني غير ثرمافما تقول قال ألا جئتني أضحي بها قال سبحان اللّه تجوز عنك ولا تجوز عني قال نعم إنك تشك ولا أشك إنما نهي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن المصفرة والمستأصلة والبخقاء والمشيعة والكسراء فالمصفرة التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها‏.‏ والمستأصلة التي ذهب قرنها من أصله والبخقاء التي تبخق عينها والمشيعة التي لا تتبع الغنم عجفا وضعفا والكسراء التي لا تنقي‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه ويزيد ذو مصر بكسر الميم وبالصاد المهملة الساكنة‏.‏

حديث علي عليه السلام صححه الترمذي كما ذكر المصنف وسكت عنه أبو داود والمنذري وحديث البراء أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم والبيهقي وصححه النووي وادعى الحاكم في كتاب الضحايا ان مسلما أخرجه وأنه مما أخذ عليه لأنه من رواية سليمان بن عبد الرحمن عن عبيد بن فيروز وقد اختلف الناقلون فيه انتهى‏.‏ وهذا خطأ منه فان مسلما لم يخرجه في صحيحه وقد ذكره علي الصواب في أواخر كتاب الحج فقال صحيح ولم يخرجاه وحديث عتبة بن عبد السلمي أخرجه أيضا الحاكم وسكت عنه أبو داود والمنذري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يضحى باعضب القرن‏)‏ الخ فيه دليل على أنها لا تجزئ التضحية باعضب القرن والأذن وهو ما ذهب نصف قرنه أو أذنه وذهب أبو حنيفة والشافعي والجمهور إلى أنها تجزئ التضحية بمكسور القرن مطلقا وكرهه مالك إذا كان مدمي وجعله عيبا وقال في البحر أن أعضب القرن المنهى عنه هو الذي كسر قرنه أوعضب من أصله حتى يرى الدماغ لا دون ذلك فيكره فقط ولا يعتبر الثلث فيه بخلاف ألاذن وفي القاموس أن العضباء الشاة المكسورة القرن الداخل فالظاهر ان مكسورة القرن لا تجوز التضحية بها الا أن يكون الذاهب من القرن مقدارا يسيرا بحيث لا يقال لها عضباء لأجله أو يكون دون النصف أن صح ان التقدير بالنصف المروى عن سعيد بن المسيب لغوي أو شرعي ولا يلزم تقييد هذا الحديث بما في حديث عتبة من النهي عن المستأصلة وهي ذاهبة القرن من أصله لان المستأصلة عضباء وزيادة وكذلك لا تجزى التضحية باعضب الأذن وهو ما صدق عليه اسم العضب لغة أو شرعا ولكن تفسير المصفرة المذكورة في حديث عتبة بالتي تستأصل أذنها كما ذكره المصنف ومثلة ذكر صاحب النهاية يدل على أن عضب الأذن المانع من الأجزاء هو ذلك لا دونه وهذا بعد ثبوت اتحاد مدلول عضباء الأذن والمصفرة والظاهر أنهما مختلفان فلا تجزئ عضباء الأذن وهو ذاهبة نصف الأذن أو مشقوقتها أو التي جاوز القطع ربعها على حسب الخلاف فيها بين أهل اللغة ولا المصفرة وهي ذاهبة جميع الأذن لانها عضباء وزيادة وقد قيل أن المصفرة هي المهزولة حكى ذلك صاحب النهاية واقتصر عليه صاحب التلخيص‏.‏ ووجه التفسير الأول أن صماخها صار صفرا من الأذن‏.‏ ووجه الثاني انها صارت صفرا من السمن أي خالية منه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أربع لا تجوز‏)‏ إلخ فيه دليل على أن متبينة العور والعرج والمرض لا يجوز التضحية بها إلا ما كان من ذلك يسيرا غير بين وكذلك الكثير التي لا تنقى بضم الفوقية واسكان النون وكسر القاف أي التي لا نفي لها بكسر النون واسكان القاف وهو المخ وفي رواية الترمذي والنسائي والعجفاء بدل الكسير‏.‏ قال النووي وأجمعوا على ان العيوب الأربعة المذكورة في حديث البراء وهي المرض العجف والعور والعرج البينات لا تجزئ التضحية وكذا ما كان في معناها أو أقبح منا كالعمى وقطع الرجل وشبهه انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن المصفرة‏) بضم الميم واسكان الصاد المهملة وفتح الفاء وقد تقدم تفسيرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والبخقاء‏)‏ بفتح الموحدة وسكون الخاء العجمة بعدها قاف قال في النهاية البخق أن يذهب البصر وتبقى العين قائمة وفي القاموس البخق محرك أقبح العور وأكثره غمصا أو أن لا يلتقي شفر عينه على حدقته بخق كفرح وكنصر والعين البخقاء والباخقة والبخيق والبخيقة العوراء ورجل بخيق كامير وباخق العين ومبخوقها ابخق وبخق عينه كمنع عورها وابخقها فقأها والعين نذرت انتهى‏.‏ قوله ‏(‏والمشيعة‏)‏ قال في القاوس ونهى صلى اللّه عليه وآله وسلم عن المشيعة في الأضاحي بالفتح أي التي تحتاج إلى من يشيعها أي يتبعها الغنم وبالكسر وهي التي تشيع الغنم أي تتبعها لعجفها انتهى‏.‏

وهذه الأحاديث تدل على أنه لا يجزئ في الأضحية ما كان في أحد العيوب المذكورة ومن ادعى أنه يجزئ مطلقا أو يجزئ مع الكراهية احتاج إلى إقامة دليل يصرف النهى عن معناه الحقيقي وهو التحريم المستلزم لعدم الأجزاء ولا سيما بعد التصريح في حديث البراء الجواز‏.‏

4 - وعن أبي سعيد قال‏:‏ ‏(‏اشتريت كبشا اضحى به نعدا الذئب فأخذ الالية قال فسألت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال ضح به‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏وهو دليل علي ان العيب الحادث بعد التعين لا يضر‏.‏

5 - وعن علي عليه السلام قال‏:‏ ‏(‏أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن نستشرف العين والأذن وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء‏)‏‏.‏

رواه الخمسة وصححه الترمذي‏.‏

6 - وعن أبي أمامة ابن سهل قال‏:‏ ‏(‏كما نسمن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون بسنون‏)‏‏.‏

أخرجه البخاري‏.‏

7 - وعن أبي هريرة ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال دم عفراء أحب إلى اللّه من دم سوادين‏)‏‏.‏

رواه أحمد والعفراء التي بياضها ليس بناصع‏.‏

8 - وعن أبي سعيد قال‏:‏ ‏(‏ضحى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بكبش أقرن فحيل يأكل في سواد ويمشي في سواد وينظر في سواد‏)‏‏.‏

رواه أحمد وصححه الترمذي‏.‏

حديث أبي سعيد الأول أخرجه ابن ماجه والبيهقي وفي إسناده جابر الجعفى وهو ضعيف جدا وفيه أيضا محمد بن قرظة بفتح القاف والراء قال في التلخيص غير معروف وقال في التقريب مجهول وقد قيل أنه وثقه ابن حيان ويقال انه لم يسمع من أبي سعيد قال البيهقي ورواه حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة عن عطية عن أبي سعيد ‏(أن رجلا سأل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن شاة قطع ذنبه يضحى بها قال ضح بها‏)‏ والحجاج ضعيف‏.‏ وحديث علي عليه السلام أخرجه أيضا البزار وابن حيان والحاكم والبيهقي وأعله الدار قطني‏.‏ وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي ورواه الطبراني فب الكبير من حديث ابن عباس بلفظ ‏(‏دم الشاة البيضاء عند اللّه أزكى من دم السواوين‏)‏ وفيه حمزة النصيبي قد اتهم بوضع الحديث ورواه الطبراني أيضا وأبو نعيم من حديث كبيرة بنت سفيان نحو الأول‏.‏ ورواه موقوفا على أبي هريرة ونقل عن البخاري ان رفعه لا يصح‏.‏ وحديث أبي سعيد الثاني صححه ابن حيان أيضا وهوعلى شرط مسلم قاله صاحب الاقتراح وأخرج مسلم من حديث عائشة ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمر بكبش اقرن يطأ في سواد وينظر في سواد ويبرك في سواد فأتى به ليضحي به فقال يا عائشة هلمي المدية ثم قال اشحذيها بحجر ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال ضح به‏)‏ فيه دليل على ذهاب الالية ليس عيبا في الضحية من غير فرق بين أن يكون ذلك بعد التعيين أو قبله كما يدل على ذلك رواية البيهقي التي ذكرناها وقالت الهادوية الامام يحيى أن ذهاب الالية عيب وتمسكوا بالقياس على ذهاب الأذن والقرن وفي فاسد الاعتبار قوله ‏(‏أن نستشرف العين والأذن)‏ أي نشرف عليهما ونتأملهما كي لا يقع فيهما نقص وعيب‏.‏

وقيل ان ذلك مأخوذ من الشرف بضم الشين وهو خيار المال أي أمرنا أن نتخيرهما‏.‏

وقال الشافعي معناه أن نضحي بواسع العينين طويل الأذنين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بمقابلة‏)‏ بفتح الموحدة قال في القاموس هي شاة قطعت أنها من قدام وتركت معلقة ومثله في النهاية إلا أنه لم يقيد بقدام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا مدابرة)‏ بفتح الموحدة أيضا هي التي قطعت أنها من جانب‏.‏ وفي القاموس ما لفظه وهو مقابل ومدابر محض من أبويه وأصله من الإقبالة والإدبارة وهو شق في الأذن ثم يفتل ذلك فِإن أقبل به فهو إقبالة وإن أدبر به فإدبارة والجلدة المعلقة من الأذن هي الإقبالة والإدبارة كأنها زنمة والشاة مدابرة ومقابلة وقد دابرها وقابلها انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا شرقاء‏)‏ هي مشقوقة الأذن طولا كما في القاموس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولاخرقاء‏) قال في النهاية الخرقاء التي في اذنها خرق مستدير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنا نسمن‏)‏ الخ فيه استحباب تسمين الأضحية لأن الظاهر إطلاع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم على ذلك وحكى القاضي عياض عن بعض أصحاب مالك كراهة ذلك يتشبه باليهود قال النووي وهذا قول باطل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏دم عفراء)‏ الخ فيه استحباب التضحية بالأعفر من الظباء ما يعلوا بيضه حمرة وأقرانه بيض والأبيض ليس بالشديد البياض انتهى‏.‏وحكي في البحر عن الإمام يحيى أنه قال الأفضل الأبيض ثم الأعفر ثو الأملح والأشمر الأطيب إجماعا لقوله ‏{‏ومن يعظم شعائر اللّه‏}‏ وما غلا لنفاسته أفضل مما رخص انتهى قوله: ‏(‏بكبش أقرن‏) قد تقدم الكلام على ذلك‏‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فحيل‏) فيه أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ضحى بالفحيل كما ضحى بالخصي قوله ‏(‏يأكل في سواد‏) إلخ معناه أن فمه أسود وقوائمه وحول عينيه وفيه دليل على أنها تستحب التضحية بما كان على هذه الصفة‏.‏

 باب التضحية بالخصي

1 - عن أبي رافع قال ‏(‏ضحى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بكبشين أملحين موجوأين خصيين‏)‏‏.‏

2 - وعن عائشة قالت ‏(‏ضحى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بكبشين سمينين عظيمين أملحين أقرنين موجوأين‏)‏‏.‏

رواهما أحمد‏.‏

3 - وعن أبي سلمة عن عائشة وعن أبي هريرة ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوئين فذبح أحدهما عن أمته فلمن شهد بالتوحيد وشهد له بالبلاغ وذبح الآخر عن محمد وىل محمد‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

حديث أبي رافع أخرجه أيضا الحاكم قال في مجمع الزوائد وإسناده حسن‏.‏ وحديث عائشة أيضا أخرجه ابن ماجة والبيهقي والحاكم من حديثهما وحديث أبي هريرة ومدار طرقه كلها على عبد اللّه بن محمد بن عقيل وفيه مقال وفي إسناده حديث أبي هريرة وعائشة عيسى بن عبد الرحمن بن فروة وهو ضعيف ـ وفي الباب ـ عن جابر عند الحاكم من طريق ابنعقيل وله شاهد من حديث جابر أيضا من طريق أخرى عند أبي داود والبيهقي وعن أبي الدرداء عند أحمد والطبراني‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏أملحين‏)‏ قد تقدم تفسير الأملح والأقرن‏.‏ والموجوء المنزوع الأنثيين كما ذكره الجوهري وغيره‏.‏ وقيل هو المشقوق عرق الأنثيين والخصيتان بحالهما‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏سمينين)‏ فيه استحباب التضحية بالأقرن الأملح وقد حكى النووي الاتفاق على ذلك وقد تقدم حديث دم عفراء أحب عند اللّه من دم سوداوين وقد تقدم أن الأملح خالص البياض أو المشوب بحمرة والأعفر كذلك وتقدم أن مسلوب القرن لا تجوز التضحية به‏.‏

واستدل بأحاديث الباب على استحباب التضحية بالموجوء به قالت الهادوية والظاهر أنه لا مقتضى للاستحباب لأنه قد ثبت عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم التضحية بالفحيل كما مر في حديث أبي سعيد فيكون الكل سواء‏.‏

واستدل بحديث أبي هريرة على أنها تجزئ الشاة عن العدد الكثير وسيأتي الخلاف في ذلك‏.‏

 باب الاجتزاء بالشاة لأهل البيت الواحد

1 - عن عطاء بن يسار قال ‏(‏سألت أبا أيوب الأنصاري كيف كانت الضحايا فيكم على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال كان الرجل في عهد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون حتى تباهي الناس فصار كما ترى‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه والترمذي وصححه‏.‏

2 - وعن الشعبي عن أبي سريحة قال ‏(‏حملني أهلي على الجفاء بعد ما علمت من السنة كان أهل البيت يضحون بالشاة والشاتين والآن يبخلنا جيراننا‏) ـ ‏من التبخيل أي البخل والشح أن أكتفينا بالواحدة وبالإثنتين‏ ـ ‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

الحديث الأول أخرجه أيضا مالك في الموطأ وأخرجه الترمذي من طريق يحيى بن موسى عن أبي بكر الحنفي عن الضحاك بن عثمان عن عمارة بن عبد اللّه قال سمعت عطاء بن يسار يقول سألت أبا أيوب فذكره وقال هذا حديث حسن صحيح وعمارة بن عبد اللّه هو مديني وقد رواه عنه مالك بن أنس والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق واحتجا بحديث أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ضحى بكبش فقال هذا عمن لم يضح من أمتي‏.‏ وقال بعض أهل العلم لا تجزئ الشاة إلا عن نفس واحدة وهو قول عبد اله بن المبارك وغيره من أهل العلم انتهى‏.‏ وحديث أبي سريحة إسناده في سنن ابن ماجه إسناد صحيح‏.‏ قوله ‏(‏يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته‏)‏ فيه دليل على أن الشاة تجزئ عن أهل البيت لأن الصحابة كانوا يفعلون ذلك في عهده صلى اللّه عليه وآله وسلم والظاهر إطلاعه فلا ينكر عليهم ويدل على ذلك أيضا حديث ‏(‏على كل أهل بيت في كل عام أضحية‏)‏ وسيأتي في باب ما جاء في الفرع والعتيرة وبه قال من تقدم ذكره‏.‏ وقال الهادي والقاسم تجزئ الشاة عن ثلاثة وقيل تجزئ عن واحد فقط وبه قال من السلف‏.‏ وقد زعم النووي أنه متفق عليه وهو غلط وقد وافقه على دعوى الإجماع ابن رشد وكذلك زعم المهدي في البحر أنه لا قائل بأن الشاة تجزئ عن أكثر من ثلاثة وهو أيضا غلظ والحق أنها تجزئ عن أهل البيت وإن كانوا مائة نفس أو أكثر كما قضت بذلك السنة ولعل متمسك من قال أنها تجزئ عن واحد فقط القياس على الهدي وهو فاسد الاعتبار وأما من قال أنها تجزئ عن ثلاثة فقط فقدج استدل لهم صاحب البحر بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏عن محمد وآل محمد‏) ثم قال ولا قائل بأكثر من ثلاثة فاقتصر عليهم انتهى‏.‏ ولا يخفاك أن الحديث حجة عليه لا له وأن نفي القائل بأكثر من ثلاثة ممنوع والسند ما سلف وقد اختلف في البدنة فقالت الشافعية والحنفية والجمهور أنها تجزئ عن سبعة وقالت العترة وإسحاق بن راهويه وابن خزيمة أنها تجزئ عن عشرة وهذا هو الحق هنا لحديث ابن عباس المتقدم في باب أن البدنة من الإبل والبقر عن سبع شياه والأول هو الحق في الهدي للأحاديث المتقدمة هنالك‏.‏ وأما البقر فتجزئ عن سبعة فقط اتفاقا في الهدي والأضحية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصار كما ترى)‏ في نسخة من هذا الكتاب فصاروا كما ترى ولفظ الترمذي فصارت كما ترى‏.‏

 باب الذبح بالمصلى والتسمية والتكبير على الذبح والمباشرة له

1 - عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏أنه كان يذبح وينحر بالمصلى‏)‏‏.‏

رواه البخاري والنسائي وابن ماجه وأبو داود‏.‏

2 - وعن عائشة ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتى به ليضحي به فقال لها يا عائشة هلمي المدية ثم قال إشحذيها على حجر ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال بسم اللّه اللّهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ثم ضحى‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏

3 - وعن أنس قال ‏(‏ضحى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بكبشين أملحين أقرنين فرأيته واضعا قدميه على صفاحهما يسمي ويكبر فذبحهما بيده‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

4 - وعن جابر ‏(‏قال ضحى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يوم عيد بكبشين فقال حين وجههما وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين اللّهم منك ولك عن محمد وأمته‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

حديث جابر أخرجه أيضا أبو داود والبيهقي وفي إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال تقدم وفي إسناده أيضا أبو عياش قال في التلخيص لا يعرف قوله ‏(‏كان يذبح وينحر بالمصلى‏(‏ فيه استحباب أن يكون الذبح والنحر بالمصلى وهو الجبانة ‏(‏والحكمة‏)‏ في ذلك أن يكون بمرأى من الفقراء فيصيبون من لحم الأضحية قوله ‏(‏يطأ في سواد‏)‏ إلخ أي بطنه وقوائمه وما حول عينيه سواد كما تقدم قوله ‏(‏هلمي المدية‏) أي هاتيها والمدية بضم الميم وكسرها وفتحها وهي السكين‏.‏ قوله ‏(‏اشحذيها‏)‏ بالشين المعجمة والحاء المهملة المفتوحة وبالذال المعجمة أي حدديها وفيه استحباب إحسان الذبح وكراهة التعذيب كأن يذبح بما في حده ضعف‏.‏ قوله ‏(‏وأخذ الكبش‏) الخ هذا الكلام فيه تقديم وتأخير وتقديره فأضجعه ثم أخذ في ذبحه قائلا بسم اللّه الخ مضحيا وفيه استحباب إضجاع الغنم في الذبح وأنها لا تذبح قائمة ولا باركة بل مضجعة لأنه أرفق بها وبهذا جاءت الأحاديث وأجمع عليه المسلمون كما قال النووي واتفق العلماء على أن إضجاعها يكون على جانبها الأيسر حكي ذلك النووي أيضا لأنه أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين وإمساك رأسها باليسار‏.‏ وفيه استحباب قولا لمضحي بسم اللّه زكذلك تستحب التسمية في سائر الذبائح وهو مجمع عليه ولكن وقع الخلاف في وجوبها‏.‏ قوله ‏(‏ويكبر)‏ فيه دليل على استحباب التكبير مع التسمية فيقول بسم اللّه واللّه أكبر‏.‏ والصفحة جانب العنق وإنما فعل ذلك ليكون أثبت له وأمكن لئلا تضطرب الذبيحة برأسها فتمنعه من إكمال الذبح أو تؤذيه قال النووي وهذا أصح من الحديث الذي جاء بالنهي عن ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فذبحهما بيده‏) فيه استحباب تولي الإنسان ذبح أضحيته بنفسه فإن استناب قال النووي جاز بلا خلاف وإن استناب كتابيا كره كراهة تنزيه وأجزأه ووقعت التضحية عن الموكل هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا مالكا في إحدى الروايتين عنه فلم يجوزها ويجوز أن يستنيب صبيا وامرأة حائضا لكن يكره توكيل الصبي وفي كراهة توكيل الجائض وجهان انتهى‏.‏

ومذهب الهادوية اشترط أن يكون الذابح مسلما فلا تحل عندهم ذبيحة الكافر ولا يجوز توكيله بالذبح قوله ‏(‏فقال حين وجههما وجهت‏) إلخ فيه استحباب تلاوة هذه الآية عند توجيه الذبيحة للذبح وقد تقدم ذكرها في دعاء الاستفتاح في الصلاة‏.‏

 باب نحر الإبل قائمة معقوله يدها اليسرى

1 - قال اللّه تعالى ‏{‏فاذكروا اسم اللّه عليها صواف‏}‏ قال البخاري قال ابن عباس صواف قياما‏.‏ وعن ابن عمر ‏(‏أنه أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها فقال ابعثها قياما مقيدة سنة محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2 - وعن عبد الرحمن بن سابط ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وهو مرسل‏.‏

حديث عبد الرحمن بن سابط هو في سنن أبي داود من حديث جابر بن عبد اللّه فلا إرسال وهكذا ذكره الحافظ في الفتح من حديث جابر وعزاه إلى أبي داود وقد سكت عنه هو والمنذري ورجاله رجال الصحيح وتفسير ابن عباس الذي ذكره البخاري معلقا قد وصله سعيد بن منصور وعبد بن حميد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صواف‏) بالتشديد جمع صاف أي مصطفة في قيامها ووقع في مستدرك الحاكم من وجه آخر عن ابن عباس في قوله‏:‏ صواف صوافن أي قياما على ثلاث قوائم معقولة وهي قراءة ابن مسعود والصوافن جمع صافنة وهي التي رفعت إحدى يديها بالعقل لئلا تضطرب قوله‏:‏ ‏(ابعثها‏)‏ أي أثرها يقال بعثت الناقة أي أثرتها وقوله‏:‏ ‏(‏قياما‏) مصدر بمعنى قائمة ووقع في رواية الإسماعيلي ‏(‏انحرها قائمة)‏ قوله ‏(‏سنة محمد‏) بنصب سنة بعامل مضمر كالاختصاص أو التقدير متبعا سنة محمد ويجوز الرفع وفي رواية الحربي فإنه سنة محمد وفي هذا الحديث والذي بعده استحباب نحر افبل على الصفة المذكورة‏.‏ وعن الحنفية يستوي نحرها قائمة وباركة في الفضيلة وفي الباب عن أنس عند البخاري أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نحر بيده سبع بدن قياما‏.‏

 باب بيان وقت الذبح

1 - عن جندب بن سفيان البجلي ‏(‏أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم يوم أضحى قال فانصرف فإذا هو باللحم وذبائح الأضحى تعرف فعرف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه ذبحت قبل أن يصلي فقال من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم اللّه‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2 - وعن جابر قال ‏(‏صلى بنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قد نحر فأمر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر ولا ينحروا حتى ينحر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

3 - وعن أنس قال‏:‏ ‏(‏قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يوم النحر من كان ذبح قبل الصلاة فليعد‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وللبخاري ‏(‏من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصحاب سنة المسلمين‏)‏‏.‏

وفي الباب عن البراء عند الجماعة كلهم بلفظ ‏(‏من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء‏)‏ وقد تقدم بنحو هذا اللفظ قوله ‏(‏من ذبح قبل أن يصلى‏)‏ في مسلم ‏(‏قبل أن يصلي أو نصلي‏)‏ الأولى بالياء التحتية والثانية بالنون وهو شك من الراوي‏.‏ ورواية النون موافقة لقوله في أول الحديث ‏(‏أنها ذبحت قبل أن يصلي‏) فإن المراد صلاة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وموافقة أيضا لقوله في آخر الحديث ‏(‏ومن لم يكن ذبح حتى صلينا‏) وهذا يدل على أن وقت الأضحية بعد صلاة الإمام لا بعد صلاة غيره فيكون المراد بقوله في حديث أنس ‏(‏من كان ذبح قبل الصلاة‏)‏ الصلاة المعهودة وهي صلاة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وصلاة الأئمة بعد إنقضاء عصر النبوة ويؤيد هذا ما أخرجه الطحاوي من حديث جابر وصححه ابن حبان ‏(‏أن رجلا ذبح قبل أن يصلي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فنهي أن يذبح أحد قبل الصلاة)‏ وظاهر قوله في حديث جابر ‏(‏فنحروا وظنوا أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قد نحر‏)‏ إلخ أن الاعتبار بنحر الأمام وأنه لا يدخل وقت التضحية إلا بعد نحره ومن نحره ومنفعل قبل ذلك أعاد كما هو صريح الحديث ويجمع بين الحديثين بأن وقت النحر يكون لمجموع صلاة الامام ونحره‏.‏

وقد ذهب إلى أن مالك فقال لا يجوز ذبحها قبل صلاة الامام وخطبته وذبحه وقال أحمد لا يجوز قبل صلاة الامام ويجوز بعدها قبل ذبح الامام وسواء عنده أهل القري والأمصار ونحوه عن الحسن والأوزاعي وإسحاق ‏.‏وقال الثوري يجوز بعد صلاة المام قبل خطبته وفي أثنائها‏.‏ وقال الشافعي وداود وآخرون ان وقت التضحية من طلوع الشمس فإذا طلعت ومضى قدر صلاة العيد وخطبته أجزأ الذبح بعد ذلك سواء صلى أم لا وسواء صلى المضحي أم لا وسواء كان من أهل القرى والبوادي أو منأهل الأمصار أو من المسافرين‏.‏ وقال أبو حنيفة يدخل وقتها في حق أهل القرى والبوادي إذا طلع الفجر ولا يدخل في حق أهل الأمصار حتى يصلي الإمام ويخطب فإذا ذبح قبل ذلك لم يجزه‏.‏وقالت الهادوية ان وقتها يدخل بعد صلاة المضحي سواء صلى الإمام أم لا فإذا لم يصلي المضحى وكانت الصلاة واجبة عليه كان وقتها من الزوال وان كانت الصلاة غير واجبة عليه لعذر من الأعذار أو كان ممن لا تلزمه صلاة العيد فوقتها من فجر النحر ولا يخفى أن مذهب مالك هو الموافق لأحاديث الباب وبعضها يرد على بعضها‏.‏ قال ابن المنذر وأجمعوا على أنها لا تجوز التضحية قبل طلوع الفجر وأما إذا لم يكن ثم إمام فالظاهر أنه يعتبر لكل مضح بصلاته‏.‏وقالربيعة فمن لا إمام له ان ذبح قبل طلوع الشمس لا تجزئه وبعد طلوعها تجزئه وآما أخر وقت التضحية فسيأتي بيانه‏.‏ وقد تأول أحاديث الباب ولم يعتبر صلاة الامام وذبحه بان المراد بها الزجر عن التعجيل الذي يؤدي إلى فعلها قبل وقتها وبأنه لم يكن في عصره صلى اللّه عليه وآله وسلم من يصلى قبل صلاته فالتعليق بصلاته في هذه الأحاديث ليس المراد به إلا التعليق بصلاة المضحي نفسه لكنها لما كانت تقع صلاتهم مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم غير متقدمة ولا متأخرة وقع التعليق بصلاته صلى اللّه عليه وآله وسلم بخلاف العصر الذي بعد عصره فإنها تصلى صلاة العيد في المصر الواحد جماعات متعدة ولا يخفى بعد هذا فإنه لم يثبت أن أهل المدينة ومن حولهم كانوا لا يصلون العيد الا مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ولا يصلح للتمسك لمن جوز الذبح من طلوع الشمس أو من طلوع الفجر ما ورد من أن يوم النحر يوم ذبح لأنه كالعام وأحاديث الباب خاصة فيبنى العام على الخاص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليذبح باسم اللّه‏) والجار والمجرور متعلق بمحذوف أي قائلا باسم اللّه‏.‏

4 - وعن سليمان بن موسى عن جبير بن مطعم عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏كل أيام التشريق ذبح‏)‏‏.‏

رواه أحمد وهو للدارقطني من حديث سليمان ابن موسى عن عمرو بن دينار‏.‏ وعن نافع بن جبير عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نحوه‏.‏

حديث جبير بن مطعم أخرجه ابن حبان في صحيحه والبيهقي وذكر الأختلاف في إسناده‏.‏ ورواه ابن عدي من حديث أبي هريرة وفي إسناده معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف وذكره ابن أبي حاتم من حديث أبي سعيد وذكر عن أبيه أنه موضوع‏.‏ قال ابن القيم في الهدى إن حديث جبير بن مطعم منقطع لا يثبت وصله ويجاب عنه بأن ابن حبان وصله وذكره في صحيحه كما سلف‏.‏

وقد استدل الحديث على أن أيام التشريق كلها أيام ذبح وهي يوم النحر وثلاثة أيام بعده وقد تقدم الخلاف فيها في كتاب العيدين وكذلك روى في الهدى عن علي عليه السلام أنه قال أيام النحر يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده وكذا حكاه النووي عنه في شرح مسلم وحكاه أيضا عن جبير ابن مطعم وابن عباس وعطاء والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى الأسدي فقيه أهل الشام ومكحول والشافعي وداود الظاهري وحكاه صاحب الهدى عن عطاء والأوزاعي وابن المنذر ثم قال وروى من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال ‏(‏كل مني منحر وكل أيام التشريق ذبح‏) وروى من حديث جبير بن مطعم وفيه انقطاع‏.‏ ومن حديث أسامة بن زيد عن عطاء عن جابر قال يعقوب بن سفيان أسامة بن زيد عند أهل المدينة ثقة مأمون انتهى‏.‏ وقال أبو جنيفة ومالك وأحمد إن وقت الذبح يوم النحر ويومان بعده‏.‏ قال النووي وروى هذا عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه وعلي عليه السلام وابن عمر وانس وحكى ابن القيم عن أحمد أنه قال هو قول غير واحد م أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ورواه الاثرم عن ابن عباس وكذا حكاه عنه في البحر واليه ذهبت الهادوية والناصر‏.‏ وقال ابن سيرين ان وقته يوم النحر خاصة وقال سعيد بن جبير وجابر بن زيدان وقته يوم النحر فقط لاهل الأمصار وأيام التشريق لاهل القرى‏.‏ وحكى القاضي عياض عن بعض العلماء أن وقته في جميع ذي الحجة فهذه خمسة مذاهب أرجحها المذهب الأول للأحاديث المذكورة في الباب وهي تقوى بعضه بعضا وقد أجاب عن ذلك صاحب البحر بجواب في عابة السقوط فقال قلنا لم يعمل به يعني حديث جبير أحد من الصحابة وقد عرفت أنه قول جماعة من الصحابة على أن مجرد ترك الصحابة من غير تصريح منهم بعدم الجواز لا يعد قادحا وأشف ما جاء به من منع من الذبح في اليوم الرابع الحدث الآتي في النهي عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث قالوا فيه دليل على أن أيام الذبح ثلاثة فقط لانه لا يجوز الذبح في وقت لا يجوز فيه الأكل ونسخ تحريم الأكل لا يستلزم نسخ وقت الذبح وقد أجاب عنه ابن القيم بأنه لا يدل على أن أيام الذبح ثلاثة فقط لأن الحديث دليل على نهي الذابح أن يؤخر شيئا فوق ثلاثة أيام من يوم ذبحه فلو أخر الذبح إلى اليوم الثالث لجاز له الأدخار ما بينه وما بين ثلاثة أيام وسيأتي بقية الكلام على الحديث‏.‏

ووقع الخلاف في جواز التضحية في ليالي أيام الذبح‏.‏ فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والجمهور أنه يجوز مع كراهة‏.‏ وقال مالك في المشهور عنه وعامة أصحابه ورواية عن أحمد أنه لا يجزئ بل يكون شاة لحم ولا يخفى أن لقول بعدم الاجزاء وبالكراهية يحتاج إلى دليل ومجرد ذكر الأيام في حديث الباب وان دل على اخراج الليالي بمفهوم اللقب لكن التعبير بالأيام عن مجموع الأيام والليالي والعكس مشهور متداول بين أهل اللغة لا يكاد يتبادر غيره عن الإطلاق وأما ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن الذبح ليلا ففي إسناده سليمان الخبايري وهو متروك وذكره عبد الحق من حديث عطاء يسار مرسلا وفيه مبشرين عبيد وهو أيضا متروك وفي البيهقي عن الحسن نهى عن جذاذ الليل وحصاده والأصحى بلليل وهو وأن كانت الصيغة مقتضية للرفع مرسل‏.‏

 باب الأكل والاطعام بالأضحية وجواز ادخار لحمها ونسخ النهي عنه

1 - عن عائشة قالت ‏(‏دف أهل أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى زمان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال ادخروا ثلاثا ثم تصدقوا بما بقي بعد ذلك قالوا يا رسول اللّه ان الناس يتخذون الاسقية من ضحاياهم، يحملون فيها الودك فقال وما ذاك قالوا نهيت أن تؤكل الأضاحي بعد ثلاث فقال إنما بينكم من أجل الدافة فكلوا وادخروا وتصدقوا‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2 - وعن جابر قال ‏(‏كنا لا نأكل كل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى فرخص لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال كلوا وتزودوا‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

وفي لفظ ‏(‏كنا نتزود لحوم الأضاحي على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى المدينة أخرجاه‏)‏ وفي لفظ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث ثم قال بعد كلوا وتزودوا وادخروا‏)‏ رواه مسلم والنسائي‏.‏

3 - وعن سلمة بن الأكوع قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من ضحى منكم فلا يصحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء فلما كان في العام المقبل قالوا يا رسول اللّه نفعل كما فعلنا في عام الماضي قال كلوا واطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان بالناس جهد فاردت أن تعينوا فيها‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

4 - وعن ثوبان قال ‏(‏ذبح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أضحيته ثم قال يا ثوبان اصلح لي لحم هذه فلم أزل أطعمه حتى قدم المدينة‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

5 - وعن أبي سعيد ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال يا أهل المدينة لا تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام فشكوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن لهم عيالا وحشما وخدما فقال كلوا وأطعموا واحبسوا وادخروا‏)‏‏.‏

رواه مسلم‏.‏

6 - وعن بريدة قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة لتسع ذوو الطول على من لا طول له فكلوا ما بدالكم وأطعموا وادخروا‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه‏.‏

وفي الباب عن نبيشة الهذلي عند أحمد وأبي داود وزاد بعد قوله ‏(‏وادخروا وائتجروا‏) أي اطلبوا الأجر بالصدقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏دف‏)‏ بفتح الدال المهملة وتشديد الفاء أي جاء قال أهل اللغة الدافة بتشديد الفاء قوم يسيرون جميعا سيرا خفيفا ودافة الاعراب من يريد منهم المصر والمراد هنا من ورد من ضعفاء الأعراب للمواساة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حضرة)‏ بفتح الحاء وضمها وكسرها والضاد ساكنة فيها كلها وحكى فتحها وهو ضعيف وإنما تفتح إذا حذفت الهاء يقال يحضر فلان كذا قال النووي‏.‏

قوله ‏(‏ويجعلون‏)‏ بفتح الياء وسكون الجيم مع كسر الميم وضمها ويقال بضم الياء مع كسر الميم يقال جملت الدهن اجمله بكسر الميم واجمله بضمها جملا واجملته أجمله اجمالا أي أذبته قوله ‏(‏بعد ثلاث‏)‏ قال القاضي عياض يحتمل أن يكون ابتداء الثلاث من يوم ذبح الأضحية وان ذبحت بعد يوم النحر ويحتمل أن يكون من يوم النحر وان تأخر الذبح عنه قال وهذا اظهر ورجع ابن القيم الأول وهذا الخلاف لا يتعلق به فائدة عند من قال بالنسح الا باعتبار ما سلف من الاحتجاج بذلك إلى يوم الرابع ليس من أيام الذبح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنما نهيتكم من أجل الدافة فكلوا‏)‏ الخ هذا وما بعده تصريح بالنسخ لتحريم أكل لحوم الأضاحي بعد الثلاث وادخارها وإليه ذهب الجماهير من علماء الأمصار من الصحابة والتابعين فمن بعدهم‏.‏ وحكى النووي عن علي عليه السلام وابن عمر أنهما قالا يحرم للحوم الأضاحي بعد ثلاث وان حكم التحريم باق وحكاه الحازمي في الاعتبار عن علي عليه السلام أيضا والزبير وعبد اللّه بن واقد بن عبد اللّه بن عمر ولعلهم لم يعلموا بالناسخ ومن علم حجة علي من لم يعلم وقد أجمع على جواز الأكل والادخار بعد الثلاث من بعد عصر المخالفين في ذلك ولا أعلم أحدا بعدهم ذهب إلى ما ذهبوا إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كلوا)‏ استدل بهذا الأمر ونحوه من الأوامر المذكورة في الباب من قال بوجوب الأكل من الأضحية وقد حكاه النووي عن بعض السلف وأبي الطيب بن سلمة من أصحاب الشافعي ويؤيد قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فكلوا منها‏}‏ وحمل الجمهور هذه الأوامر على الندب والأباحة لورودها بعد الحظر وهو عند الجماعة للإباحة‏.‏ وحكى النووي عن الجمهور أنه للوجوب والكلام في ذلك مبسوط في الأصول‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وأطعموا‏) وفي حديث عائشة ‏(‏وتصدقوا‏) فيه دليل على وجوب التصدق من الأضحية وبه قالت الشافعية إذا كانت أضحية تطوع قالوا والواجب ما يقع اسم الاطعام والصدقة ويستحب أن يكون بمعظمها قالوا وأدنى الكمال أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويهدى الثلث وفي قول لهم يأكل النصف ويتصدق بالنصف ولهم وجه أنه لا يجب التصدق بشيء وقال القاسم بن إبراهيم أنه يتصدق بالبعض غير مقدر قال في البحر وفي جواز أكلها جميعها وجهان عن الأمام يحيى أصحهما لا يجوز اذ يبطل به القربة وهي المقصود وقيل يجوز والقربة تعلقت باهراق الدم فان فعل لم يضمن شيئا عند الجميع إذ لا دليل قلت وفي كلام الامام يحيى نظر مع القول بأنها سنة انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأردت أن تعينوا فيها‏) بالعين المهملة من الاعانة هذا لفظ البخاري ولفظ مسلم ‏(‏أن يفش فيهم)‏ بالفاء والشين المعجمة أي يشيع لحم الأضاحي في الناس وينتفع به المحتاجون‏.‏

قال القاضي عياض في شرح مسلم الذي في مسلم أشبه وقال في المشارق كلاهما صحيح والذي في البخاري أوجه‏.‏ والجهد هنا بفتح الجيم وهو المشقة والفاقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أصلح لي لحم هذه‏) إلخ فيه تصريح بجواز ادخار لحم الأضحية فوق ثلاث وجواز التزود منه وان التزود منه في الأسفار لا يقدح في التوكل ولا يخرج المتزود عنه وان الأضحية مشروعة للمسافر كما تشرع للمقيم وبه قال الجمهور‏.‏ وقال النخعي وأبو حنيفة لا ضحية على المسافر قال النووي وروى هذا عن علي رضي اللّه عنه‏.‏ وقال مالك وجماعة لا تشرع للمسافر بمنى ومكة والحديث يرد عليهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حشما)‏ قال أهل اللغة الحشم بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة هم اللائذون بالانسان يخدمونه ويقومون باموره‏.‏ وقال الجوهري هم خدم الرجل ومن يغضب له سموا بذلك لانهم يغضبون له والحشمة الغضب ويطلق على الاستحياء ومنه قولهم فلان لا تحتشم أي لا يستحي ويقال حشمته وأحشمته إذا أغضبته وإذا أخجلته فاستحي لخجله قال النووي وكأن الحشم أعم من الخدم فلهذا جمع بينهما في هذا الحديث وهو من باب ذكر الخاص بعد العام‏.‏ وفي القاموس الحشمة بالكسر والحياء والانقباض احتشم منه وعنه وحشمه و أحشمه وكفرح وغضب وكسمعه أغضبه كاحشمه وحشمه‏.‏ وحشمة الرجل وحشمة محركتين واحشامه خاصته الذي يغضبون له من أهل وعبيد أو جيرة والحشم محركة للواحد وهو العيال والقرابة أيضا انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكلوا ما بدا لكم‏) فيه دليل على عدم تقدير الأكل بمقدار وان للرجل أن يأكل من أضحيته ما شاء وان كثر مالم يستغرق بقرينة قوله وأطعموا‏.‏